صباح الخامس من حزيران 1967 انطلقت
طائرات الصهاينة لتحلق في عمق الأرض العربية وحوافها..لتضرب و تدمّر وتحرق
وتبدد وتلحق هزيمة كاسحة بأنظمة المواجهة في ذلك
الوقت"مصر،سوريا،الأردن"،ورغم دخول قوات من كيانات عربية أخرى إلا أن
المعركة حسمت لصالح الصهاينة بالنجاح الكبير لطيرانهم في غاراته الكثيفة
خاصة على جبهة قناة السويس وقواعد الطيران لينجلي غبار المعارك عن احتلالهم
لكل فلسطين وسيناء والجولان والضفة الغربية وغور الأردن.لسنا
في معرض إعادة سرد أحداث الهزيمة كونها لا تزال بالذاكرة العربية إضافة
لبقاء أراض عربية تحت الاحتلال،لكن ما نريده هو الوقوف عند الحدث المريع
ومنعكساته على الأمة والشعب.لقد أصيبت قطاعات
شعبية واسعة في الوطن العربي بالذهول الشديد لسرعة الحدث وما تم
فيه،واستطاع الكيان بانتصاره الكبير جذب المنبهرين كمؤيدين للمنتصر من دول
وشعوب العالم{دولة صغيرة "مسكينة محاصرة" تنتصر على جيوش عربية وتحتل
أراضيهم وتثبت وجود قواتها في كل الأراضي المحتلة.استقال
عبد الناصر باعتباره المسئول الأول عما جرى وخرج الشعب يطالبون بعودته
للرئاسة،استجاب وعاد لممارسة مسؤولياته،وسار عبد الناصر على جبهتين
معاركهما ضروس..جبهة سياسية من خلال ترميم العلاقات مع دول العالم بعد
اهتزازها واستعادة ثقة الشعب العربي ودفعه للمشاركة في صنع الحاضر..وجبهة
داخلية لإزالة العدوان من خلال ترميم الجيش وتزويده بكافة الأسلحة الحديثة
واللازمة ورفد تشكيلاته بعناصر من الخريجين المؤهلين،وسُخِّرَت كل
الإمكانيات لمعركة التحرير،ولأنه كان ذا مصداقية عالية وعرفه الشعب العربي
ووثق به لذلك جاءت وفاته ضربة قاصمة أخرى لطموحات التحرير الكامل.وما
حدث بعدئذ من كامب ديفيد إلى وادي عربه إلى وارسو..تعبيرات ذات دلالات
واضحة عن الضعف الهائل الذي أحاط بإرادة الأمة ـ من خلال أنظمتهاـ في
مواجهة الاستحقاقات المباشرة للتحرير،فمصر السادات انكفأت إلى قضاياها
والأردن مشغول بتدعيم كيانه والوقوف مع حلفائه أمام شعار الوطن
البديل،وسوريا بعد حرب استنزاف وحرب تشرين ـ التي كان واقعها إسماع أصوات
المدافع للخارج وليست للتحرير ـ اختارت من شعار {السلام الكامل مقابل
انسحاب كامل}خياراً إستراتيجياً..؟!!لتمضي السنون ومازال الاحتلال يجثم على
صدورنا جميعاً.فبمضي ما يقارب الأربعة والأربعين
عاماً على ذلك اليوم المشئوم نقف أمام ما آل إليه الوضع العربي بما لا يمكن
أن نقول أن فواجع حزيران قد تلاشت وخرجت من ذاكرتنا،وصحيح أن حرب تشرين
كانت مرتقبة ومنتظرة لكن القيادات التي قامت بها كانت قاصرة عن تحمل
المسؤولية التاريخية..؟لذلك رسموا لها سقفاً تقف عنده وهو تسخين المنطقة
وتهديد استقرارها بحيث تسرع القوى العظمى في العالم بعد أن تعطلت مصالحها
كي تتدخل وتوقف العمليات الحربية عند الحدود التي تحققت..!ليحصل الكيان على
الهدوء والاستقرار على الجبهات محتلاً أضعاف مساحة الأرض المحتلة من
فلسطين،وتلقف الشعب العربي شعارات الأنظمة المتهادنة مع العدو الصهيوني
وشاهد مدى اهتراء واقعه بتقوقع هذه الأنظمة في قطريتها واستقالتها من الهم
القومي ـ بما فيها من يدعي أنه مقاوم وممانع ـ وتضييق وتجفيف القنوات التي
تتحرك فيها قوى النضال العربي وخاصة الفلسطيني ليبات منتظراً اللحظة
المناسبة لاسترداد إرادته وامتلاك قدرته على التحرير.إن
ما كرّسته الأنظمة من وضع راهن،الصهاينة يفرضون شروطهم على العالم بدعم
صلف من الأمريكي المطمئن إلى أن مصالحه المحمية من الأنظمة لن تتأثر مهما
اتخذت مواقف تخدم الصهاينة،لهو أكبر فرصة للصهاينة للتمدد الاستيطاني وقضم
المزيد من الأرض في الضفة والقدس..فليس هناك من يفكر بكبح عدوانهم
وردعه..؟!فحتى القوى التي حققت نجاحات كبيرة في الجنوب اللبناني أو الأراضي
الفلسطينية هي أسيرة الاتفاقات المباشرة وغير المباشر المبرمة مع العدو
لوقف القتال وتهدئة الأحوال..لتمر سنوات أخرى يتدهور خلالها الوضع العربي
إلى ما لا يمكن تصوره..!!لكن...وأخيراًأيكون
انتظار الشعب لاسترداد إرادته وامتلاك قدرته تمهيداً للتحرير قد انتهى من
خلال ربيع الثورات العربية من تونس وصولاً إلى البحرين..؟!!وهل
الثورات الشعبية بداية جديدة لاستعادة الأمة إلى حياض التغيير والمشاركة
في صناعة الحاضر والمستقبل تمهيداً للتقدم نحو الحدود ومواجهة العدو
الصهيوني ودحره إلى البحر.نحن الهَرِمونْ لا نملك
من حزيران النكسة وألمه إلاّ أن نكون متفائلون أن ربيع ثورات شباب الأمة
سيستمر إلى حزيران ـ وإلى ما بعده ـ ليرفع عنه حرارة المهانة والذل إلى
لهيب العزة والحرية والكرامة التي ستطيح بالاستبداد تمهيداً لحرق الاحتلال.لأن امتنا أمة فيها الخير إلى يوم يبعثون.حلب6/6/2011 محمد عبد المجيد منجونه