صقر أول غير صقر اليوم -- مقابلة مع شريف الشيخ -- شيخ الطراحين

صقر أول تحول.. مداجن الصقور سرقت الكار من شيخه (دي برس - تحقيق: عمر السيد أحمد)


يسرد شريف الشيخ ذكرياته بحرقة، فاليوم غير البارحة في عالم صيد الصقور، حين كان هذا الصياد يعود من رحلته الطويلة، وبحوذته من الغنائم ما يكفي لفترة سبات شتوي يعلن فيه مقاطعته للعمل وقد تكفّل ثمن الصقر بمجمل مصاريف العائلة، ولكن زمن أول تحول وتنكرت هذه المهنة لشخوصها بعد أن قلّت الخيرات، ودفعت بعشاقها للبحث عن عمل آخر، دون الامتناع عن متابعة الصيد، والذي درّ ربحاً وفيراً تجاوز 10 ملايين ثمناً للصقر الواحد في أيام التسعينيات، أيام العز التي يتذكرها بحسرة واشتياق دفعته للمضي في صيده الذي أدمن عليه منذ 40 عاماً وحتى اللحظة.

وقعت وما حدا سمى عليك
من كان يتوقع أن الحمامة تصطاد صقراً، إنها الحيلة التي خبرها صيادو الصقور، فأتقنوا اللعبة مستخدمين من المغريات ما يكفي لإيقاع الصقر المحلّق عالياً في الشبك والحمامة ليست سوى شريك في المكيدة، عالم غريب يدهشك بتفاصيل مثيرة لا يدركها سوى من يغوص في خضم التجربة، (دي برس) رافقت الصيادين في رحلتهم وعرفت كل كبيرة وصغيرة عن صيدٍ لا يخلو من المغامرات والمخاطر وإليك التفاصيل.
ما إن تبدأ هجرة الصقور في النصف الأول من أيلول حتى يحزم الصياد متاعه ويعدّ العدة مصطحباً غراباً وحمامة، منطلقاً إلى البادية ليتوارى عن الأنظار في حفرة هي مسكنه الجديد طيلة فترة الصيد حيث يمضي أوقات طويلة في مراقبة دليله الغراب الذي لا يتوانى عن تنبيه الصياد بقدوم الصقر من بعيد مبشراً إياه بأن صيداً قريباً قد يكون من نصيبه - الكلام هنا للصياد بدر الدين - ومع احتمال وجود الصقر تبدأ الخديعة، حيث يدور الغراب حول الحفرة ممسكاً بقدمه قليلاً من الريش لإيهام الصقر أن لدى الغراب ما يقتسمه معه، وعند اقتراب الصقر تطلق الحمامة المربوطة إلى خيط لتجذب اهتمامه وتستدرجه إلى الفخ الذي يمسك به بعد أن شرب المقلب.

ويمضي الصياد في رحلة الصيد ما يزيد عن الشهرين وحيداً يستأنس برفقة الحمامة والغراب، فتنشأ بينهم صداقة قوية، ويذهب بعض الصيادين إلى نظم القصائد التي تتحدث عن المشقة التي كابدوها سوية وهنا يسترجع الصياد أبو عبد الله الكثير من المغامرات التي تخللت صيده، مهاجمة الذئاب مثلاً أو تسلل أفعى إلى حفرته، وفوق هذا وذاك بقاؤه خمسة وخمسون يوماً في البادية لم يوفق خلالها بالحصول على أي صقر.
انتظار وترقب قد لا يفضي لصيد محرز هو حال معظم الصيادين، غير أن الحنين إلى مهنة الأجداد والآباء دفع بسمير والذي رافق والده برحلات عدة إلى إعادة التجربة حتى ولو لم يحالفه الحظ في رحلة يصفها بالممتعة والشاقة في الوقت ذاته، مؤكداً بوجود حفر صيد يعود عمرها إلى مئات السنين، وأخرى إلى العصور الرومانية وفقاً للباحث التاريخي أحمد بياض.

تنفس اصطناعي
وسرعان ما ظهرت سوق نشطة لبيع الصقور بلغت أوج ازدهارها في منتصف السبعينيات واتخذت شكلاً نظامياً، حيث يشتري التجار ما أمسكت به شباك الصيادين ليتم عرضها في مضافات أعدت خصيصاً لذلك وفي فترات محددة يسارع خلالها الزبائن ومعظمهم من دول الخليج العربي إلى انتقاء الصقر المناسب كل حسب طلبه وإمكاناته المادية،

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

والهدف استخدامه في الصيد هذه المرة ويغدو هو الآخر صياداً يقف على ساعد صياد.
ولأن دوام الحال من المحال عانى تجار الصقور من ندرتها وهذا ما دفعهم إلى البحث عن مصادر جديدة تؤمن بقاء تجارتهم على قيد الحياة، فأبو حسام قصد في ذلك بلاداً بعيدة وعاد بعد نجاح مهمته في إحضار بعضها «الصقور أصبحت قليلة في الآونة الأخيرة، لذلك ذهبت إلى روسيا، واشتريت ثلاثة صقور ونظمت البيانات الخاصة ودفعت ما ترتب من ضرائب لإدخالها إلى الأراضي السورية». ويبرر بدر الدين ما آلت إليه هذه التجارة بالمعوقات المفروضة والقوانين التي تمنع الصيد تارةً وتجيزه تارةً أخرى، علماً أن تجارة الصقور وحسب قوله كانت فاتحة خير، بعد أن تسببت بقدوم العديد من الأمراء ورجال الأعمال إلى سورية، ومن ثم إقامة العديد من المشروعات الاستثمارية فيها.

صقر مدجن
منغص آخر، ظهر ليفسد على صيادي وتجار الصقور أعمالهم، فتكنولوجيا العصر، أوجدت مزارع جديدة تقوم (بتفقيس) الصقور وتربيتها ضمن مداجن منافسة بذلك الطرق التقليدية لصيد الصقور، وخصوصاً أنها نجحت بجذب الكثير من الزبائن الذين انصرفوا عن شراء الصقر الحر إلا أن لتجار الصقور الأصليين نظرتهم الخاصة في هذه المداجن والتي لا تغني من نظرة بدر الدين عن الصقور الحرة أبداً وشتان ما بين الاثنين.
وأي كانت المنغصات يقر صيادو الصقور بعشق أزلي لرحلات الصيد، ففي تلك الحفرة تبدأ حياة جديدة يقدّم فيها الصيادون فروض الطاعة لمهنة حملتهم على كفوف الراحة فيما مضى فحفظوا الود الذي لم يفسده قلة الصقور المهاجرة وندرتها.