دمعة الغربة هي الوحيدة التي تقف بجانب الإنسان وتحنو عليه في وحشته ، وتواسيه وتخفف عنه أحزانه في غربته في عزلته ..
ـ غُرْبةٌ عَنِ الدِّيْنِ : أن يكون الإنسان غريبا عن دينه هاجرا لأوامر ربه ، متقربا من معاصيه ، ونقول في المثل العامي " ما الغريب إلاَّ الشيطان " أي كل من يبتعد عن الله سبحانه وتعالى ويتقرب من الشيطان وأعماله هو الغريب حقيقة ، ومن المبعدات كما قيل :
إن الفراغ و الشباب و الجدة .. مفسدة للمرء ايّ مفسدة[b][1]
قال عليه الصلاة والسلام - ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ [2]).
...وأكثر هؤلاء غربة العلماء الذين يوكل إليهم هداية الناس وينحرفون عن جادة الصواب لغرض دنيوي فغربتهم مريرة لأنهم ملح الأرض فيا ملح الأرض من يصلح الأرض إذا الملح فسد !!..
قال العلامة سليمان بن سمحان [3]:
إلى الله نشكو غربة الدين والهدى*وفقدانه من بين من راح أو غدا
فعاد غريبا مثل ما كان قد بدا*على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى
فقد طمست أعلامه في العوالم.
ـ غربةٌ عَنْ الوَطَن : هو الابتعاد عن الأرض التي ولدنا فيها ، سماؤها أظلنا ، عليها حبونا ولعبنا وكبرنا ، ولنا فيها أجمل ذكريات ، فيها الأهل والعشيرة والخلان والأقارب والجيران ، أجبرتنا الظروف لترك أجمل واحب بقعة على وجه الثرى .. وتعريف المغترب : هوكائن محسود مادياً , مجهول عائلياً , مقهور إعلامياً , مرهق جسدياً , مدمر نفسياً , يتصل إسبوعياً , مشتت فكرياَ...لا يُسْأَلُ عن همومه ، فهي كثرة ..
ـ دواعي الغربة
يُهاجرُ المرءُ إلى بَلدٍ آخر . إما للدراسة أو مرغما مطرودا ، وغالباً ما يكونُ مجبراً ، سعياً عَنْ رزقٍ أَوْ لقمةِ عَيْشٍ ..أَوْ هَارِبَا مِنْ مَاضٍ يُقْلِقُهُ .. أَوْ لفظتْهُ بَعيداً بَلْدَتهُ..أَوْ يَبْحَثُ عنْ كَرَامةٍ فُقِدَتْ فِي وطنِهِ..فيبتعد جسده عن أهله ؛ أمه و أبيه وأخوه وأخته ،
قبل الغربة:
قَدْ فَكَّرَ مَرْءٌ بِالْهِجْرَةْ فَتَصَوَّرَ عَيْشَاً مَا يَهْوَى
لُقْمَةُ عَيْشٍ غَيْرُ الْمُرَّةْ وَيَنَالُ عَلَى مَا يَتَمَنَّى
وَبِلا جُهْدٍ دُونَ مَشَقَّةْ
تَحْسينُ الوَضْعِ وَقَدْ يَسْعَى سَيَّارَةُ فَخْمَةُ قَدْ تُقْنَى
بَيْتٌ لِلْحُلْمِ عَلا فِكْرهْ قَدْ يَعْلُو الْبَيْتُ وَقَدْ يُبْنَى
قَدْ يَطْرُدُ فَقْرَاً فِي بَلَدٍ يَشْقَى يَعْمَلُ حَتَّى يَغْنَى
للغربة باب قد طرقةْ
أول الغربة :
سَكَنَ المرْءُ بِلادَ الغُرْبَة..لاقتْهُ الشِّدَّةُ والكُرْبَة ، اصْطَدَمَ بجدارِ العُزْلَة ،لا أُخْتٌ عِنْدَهُ وَلا عَمَّة ، شَيْءٌ لمْ يخْطُرْ فِي بالٍ ، وَجَدَ نَفْسَهُ دُونَ صَدِيقٍ أَوْ خَالٍ .. دُونَ أَخٍ ..دُونَ قَريبٍ..دُونَ سَميعٍ ..دُونَ مُجيبٍ ، لا مُعِين يَقْتَربُ مِنْهُ ، يُقَاسِمَهُ فَرَحَهُ أوْ حُزْنَهُ .. نجاحه أو فشله ، معاناته ومكابدته ، في الغربة يُظلمُ ويُهانُ ، يُسْتَرَقُّ بِكَفَالَةٍ أوْ إقَامَة ،وفِي الغُرْبَةِ ضُرِبَ المثَل:(الغُرْبَةُ مُضَيِّعَةُ الأَصْل )..
أثناء الغربة :
يَتألَّمُ المرءُ من الغربةِ ،تأتيه الطَّعْنَةُ تِلْوَ الطَّعْنَة ، لا يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي ، لا يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ يُطْعَن .. فيكظمُ غيظَهُ في صدرِهِ ، لَمْ يستطعْ البَوحَ بِكَلِمَة ، إنْ حَاوَلَ مَرَّةً أوْ جَرَّبَ ، معناهُ عَلَى نَفْسِهِ خَرَّبَ ، قَدْ قَطَعَ رِزْقَهُ بِيَدِيهِ ، وَهوَ مَا يُعْرَفُ بـ ( قَطْعِ الأَرْزَاقِ مِنْ قَطْعِ الأَعْنَاقِ ) وَخَافَ مِنْ مَجْهُولٍ قَادِم .. والنَّاسُ يَقُولُون ، وَلا يَصْمُتُونَ : ألمْ يَعْرفْ يَصْمُتُ أوْ يَسْكُتُ ، لِيُحَافِظَ عَلَى لُقْمَةِ عَيْشِهِ !!!.، مَنْ مَكَثَ طَويلاً مُغْتَرِبَاً !!! ، يُلاقِي ، يُعَانِي ، يَتَحَمَّلُ ،وَيُعَوِّدُ نَفْسَهُ لِيَشْرَبَ مِنْ كَأْسِ الحَنْظَلِ : وَقَدْ قِيْلَ قَدِيماً : ( الغُرْبَة مرَّة ) .. أَكْثَرُ شَيْءٍ يحزُّ في نفسٍ ، عندما يتقنُ عملَهَ ويتفانى ، والكلُّ يشيد في ذلك ، يُعْتَزُّ بإنجازاته ويُعْتَرَفُ بإتقانِهِ ، لا شيءَ مقابلَ ذلك ، أو يعطى أدنى شيءٍ مقابلَ مَنْ لا يستحقُّ .. والسببُ إنَّهُ غريبٌ ولا منَّه ، إنَّهُ مأْجُورٌ، مأْجُور ، الغربة فيها استغلال للإنْسان .. والأَمْنُ الوَظِيفيُّ مَفْقُودٌ ، مَفْقُود ، لا تَقُلْ في عُهُودٍ أوْ عُقُود ، فالْفَزَعُ والرُّعْبُ مَوْجُودٌ ، فالرُّعْبُ الوظيفيُّ شبكةُ صيادٍ ؛ إنْ هربَتْ مِنْها السَّمكةُ ، سوفَ تَمْسِكُ بها في المراتِ القادمةِ ..
طول الغربة
أَقْسَى وَأَصْعَبُ مَا يُعَانِي ، مَنْ مَكَثَ طَويلاً فِي الغُرْبَةِ ، يموت فيها المَرْءُ ألفَ مَرَّةٍ ، أَلمٌ وَحُرْقَةٌ وَمَرَارَةٌ ثمَّ حَسْرَةٌ ، بِوُصُولِ الخَبَرِ المَشْؤُومِ بـ (مَوْتِ الأبِ أوْ الأمِّ أوْ الأخِ ) ولا يَقْدِرُ أَنْ يُودِّعَهُم (آخِرَ وَدَاعٍ ) أَوْ حَتَّى يَمْشِي بِجَنَازَتهم أَوْ فِي الدَّفْنِ يُشَارِكَهم.. فدموعُهُ تَنْزلُ بِغَزَارَةٍ ، بحَرارَةٍ ، وأَحْزَانَهُ وآلامَهُ وَحَسرات تُدْفَنُ فِي صَدْرِه .. فِي لحْظَةٍ يَحْتَاجُ الأَهْلُ (مِنْ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ أَوْ عَمَّةٍ أَوْ خَالَةٍ ) ، أَنْ يَقِفَ المرْءُ بجانِبِهِم ، أَوْ حَتَّى وَقْفَةَ صَاحِبٍ ،أَيْنَ المثل : ( الصَّديقُ عِنْدَ الضِّيقِ ) ؟!!. والمغْتَرِبُ لا يمْلِكُ مَا يُقَدِّمُ لهُمُ إلاَّ النُّقُودَ إنْ قَدِرَ ، وَهُمْ فِي تِلْكَ اللَّحَظَةِ لا يحتاجونَ إلى ذَلِك ..لا يِسْتَطيعُ أنْ يواسيَهُم ، يَتَلَقَّى صَدْمَةً تلو صَدْمَة ، وَحَزْنَا فَوْقَ حزنٍ ، يَتَرَاكَمُ ألمٌ فَوْقَ ألمٍ فَيَعْمُرُ القلبُ بِطَبَقَاتِ جُرُوحٍ نَازِفَةٍ ، لايمْحِيهَا الزَّمَنُ ، فَتَكْمُدُ فِي صَدْرِهِ ، وتُلْحَدُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ .. وَعِنْدَمَا تمسكهُ الشَّبكةُ أو يَسْتَغْنُونَ عَنْ خَدَمَاتِهِ ، يُرْمَى ، ولا أَحَدٌ يَسْألُ .. و"بِغَالُ الإنْجِلِيزِ أَوْفَرُ حَظَّاً ، لأَنَّهُ لا يَنَالُ حَتَّى رَصَاصَةَ الرَّحْمَةِ" ..
[/b]