ما بين الضحك والحكمة

عرف عن العرب القدماء قدرتهم على سرد القصص الحكيمة والفكاهات والنوادر وإليكم أيها الأصدقاء أجمل قصة قرأتها تجمع بين الحكمة والضحك رغم تناقضهما
يروى عن رجل في بغداد يدعى ابن المغازلي يتكلم عن طرق بأخبار ونوادر متنوعة وكان نهاية في الحذق من سمعه لايستطيع إلا أن يضحك
ويوم وقف المغازلي كعادته يروي قصصه للناس ويضحكهم فلتف حوله بعض خدم المعتضد فاخذ يفيض بما عنده من نوادر الخدم فأعجبهم ذلك حتى قدم أحدهم وأخذ بيده
وقال له:دخلت فوقفت بين يدي سيدي المعتضد فتذكرت حكاياتك ونوادرك في الخدم فضحكت,فانكر علي
وقال:ماسبب ضحكك , فحدثته عن نوادرك وفكاهاتك فطلب مني إحضارك
فرافق ابن المغازلي خادم المعتضد ولما وصلا
قال الخادم:يا ابن المغازلي لقد أُمرت بإحضارك على أن آخذ نصف جائزتك التي سوف يعطيها لك سيدي المعتضد
فرد عليه قائلاً:ياسيدي أنا ضعيف وعلي عيلة فلو أخذت سدسها أو ربعها
فرفض الخادم وأبى إلا أن يأخذ نصفها,ودخل ابن المغازلي بعد ذلك وسلم على المعتضد الذي رد سلام
وقال له:أنت ابن المغازلي
قال:نعم يا مولاي
فقال:بلغني أنك تحكي وتضحك بنوادر عجيبة
فقال ابن المغازلي:يا أمير المؤمنين الحاجة تفتق الحيلة.أجمع للناس حكايات أتقرب بهم إلى قلوبهم فألتمس برهم
فقال المعتضد:هات ماعندك فإن أضحكتني أجزتك بخمسمائة درهم,وإن لم تضحكني أصفعك بذلك الجراب عشر صفعات
فقال ابن المغازلي:أمرك يا أمير المؤمنين
وأخذ بسرد النوادر والحكايات والعبارة ولم يدع حكاية إعرابي ولا نحوي ولا قاضِ ولا نبطي ولا زنجي ولا خادم ولا شاطر ولا عيار ولا نادرة ولا حكاية
إلا وأحضرها حتى نفذ كل ماعنده,وكان كل من حوله يضحك ويعجب بحكاياته إلا المعتضد فهو مقطب لا يبتسم
فقال له ابن المغازلي:قد نفذ ماعندي يا سيدي,والله ما رأيت مثلك قط
فقال المعتضد:هات مابقي عندك
فقال ابن المغازلي:مابقي لي سوى نادرة واحدة
قال المعتضد:هاتها
فقال ابن المغازلي:وعدتني أن تجعل جائزتي عشرة صفعات وأسألك أن تضعفها لي وتضيف إليها عشرة صفعات أخرى
فأراد أن يضحك المعتضد ولكنه تماسك.وقال نفعل . يا غلام نفذ الأمر
فصفع الغلام ابن المغازلي عشرة صفعات كادت أن تقسم ظهره
فصاح ابن المغازلي:ياسيدي لك عندي نصيحة إن سمحت لي
فقال المعتضد:قل نصيحتك
فقال ابن المغازلي:ياسيدي إنه ليس في الديانة أحسن من الأمانة وأقبح من الخيانة,وقد ضمنت للخادم الذي أدخلني نصف الجائزة على قلتها أو كثرتها
وأمير المؤمنين بفضله وكرمه قد أضعفها ,وقد ستوفيت نصفي وبقي نصفه
فضحك المعتضد وقال:علي بالخادم,وأمر بصفعه
فقال الخادم:وماجنايتي
فقال له ابن المغازلي:هذه جائزتي وأنت شريكي فيها,وقد ستوفيت نصيبي منه وبقي نصيبك
فلما نفذ الصفع في الخادم أقبل ابن المغازلي يلومه عليه
ويقول له:قلت لك أني ضعيف معيل وشكوت لك الحاجة والمسكنة ورجوتك أن تأخذ ربع الجائزة أو سدسها
وأنت تقول لا أريد إلا نصفها ولو علمت أن أمير المؤمنين أطال الله بقائه جائزته الصفع لوهبتها لك كلها
فعاد المعتضد للضحك من عتاب ابن المغازلي للخادم وأخرج صرة فيها خمس مائة درهم
وقال:هذه كنت أعدتها لك فلم يدعك فضولك حتى أحضرت شريكاً لك
فأخذ ابن المغازلي الأمانة وقسمها مناصفة بينه وبين الخادم إيفاءً للوعد الذي قطعه على نفسه بمناصفة الجائزة مع الخادم
ونصرفا من عند المعتضد شاكرين ومتمنين له طول البقاء

شكرا لك على تنوعك في المواضيع
لك فائق تحياتي

» الضحك
» موضوع يموت من الضحك