ان عدم ادراكنا للعلاقات الجدلية سبب لنا مشكلات كثيرة, على مستوى
التنظير و على مستوى العمل و الحركة و جل ما نقصده يتمثل من خلال
مشكلة الداخل و الخارج,فهي تسبب دئماً لنا الحيرةو الاضطراب , فهناك من
يهجس دائماً بوجود مؤامرة كبرى ضد العالم العربي و الاسلامي و يفسر كل
تحركات الغرب ,و في اي اتجاه كانت على انها لتأكيد الهيمنة و السيطرة
على ثروات العرب و المسلمين , و من اجل سلب المزيد من حقوقهم.
و لدينا في المقابل من ينظر الى الغرب نظرة احتقار و اقصاء, و هم
يعتقدون ان مشكلاتنا داخلية بحتة, و بالتالي من الممكن لنا ان ننشئ
جزيرة الاحلام في قلب محيط يموج بالظلم و الفساد!
الرؤية الكلية تحل هذه الاشكالية من جهة فهم العلاقة بين الداخل و
الخارج, حيث ان التواصل الثقافي الكوني المتعاظم جعل ما نسميه عوامل
أو شؤونا داخلية اموراً نسبية, حيث بامكان قرار في اقصى الغرب ان يؤدي
الى جوع انسان في اقصى الشرق . كما ان موجة من العواصف الثلجية تهب
على اوروبا , تساعد صاحب مؤسسة في دولة نفطية على توفير فرصة عمل لأحد
مواطنيه.......
لا ريب ان للداخل فضاءاته المتميزة كما للخارج نحو ذلك لكن كلاً منهما
محكوم بمؤثرات و معايير عالمية و يتحركان في اطار شبكة من العلاقات
الدولية.
لذا علينا التوجه من خلال رؤية العلاقات التفاعلية الى الاقتصاد في
الحديث عن العوامل الخارجية لأن الانشغال بها غير ذي جدوى , فيكفي
ادراك مدى فاعليتها و تأثيرها في شؤوننا الداخلية
أما ما يستحق كامل العناية و الاهتمام فهو ما يقع ضمن دوائر تأثيرنا,
و في هذا المعنى يقول _سبحانه_ : {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ
سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا
يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}سورة آل عمران.
بتحسين الداخل تتغير نظرتنا للمؤثؤات الخارجية , كما تتغير نظرة من
عثر على حصن منيع الى لص يريد سرقته, حيث تفقد عوامل السيطرة
الخارجية أهم مرتكزاتها , و هي رهبتنا لها, عندما نحسن أوضاعنا
الداخلية يضعف تأثير العوامل الخارجية كما يضعف تأثير جرثوم حين يغزو
جسماً عالي المناعة.
هذه الرؤية للعلاقة الجدلية بين الداخل و الخارج فوق انها رؤية
موضوعية , تمنحنا خريطة فكرية جديدة لرؤية مجال المناورة , و امكانات
المدافعة.