تفسير حديث:-
يقول
الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: باب الاعتكاف وقيام رمضان: عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من قام
رمضان إيمانًا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه.
جاء
بهذه الألفاظ الثلاثة: من صام رمضان إيمانًا واحتسابا من قام رمضان إيمانًا
واحتسابًا من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه .
إيمانًا: يعني تصديقًا بوعد الله -عز وجل- الذي أخبر به للقائمين والصائمين،
واحتسابا:
يعني طلبًا للأجر؛ لأنه قام مصدقًا بوعد الله -عز وجل- محتسبًا الثواب منه
-سبحانه وتعالى-، لا يقوم رياء ولا سمعة ولا لأي أمر من أمور الدنيا، بل
هو لله.
الاحتساب:
والاحتساب لغة: مصدر احتسب وهو من مادة (حَ
سَ بَ) التي تدل في اللغة على معانٍ عديدةٍ منها: العدُّ والكفاية. ومن
المعنى الأول (العدُّ) قولهم: حسبت الشيء أحسبه حسباً وحسباناً، ومن الباب:
الحِسبَةُ وهو الأجر أو احتساب الأجر، ويقال: أحتسب بكذا أجراً عند الله،
وفي الحديث: "من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً". أي طلباً لوجه الله تعالى
وثوابه..
والاحتساب اصطلاحاً:
قال الكفوي: الاحتساب: هو طلب الأجر من الله تعالى بالصبر على البلاء مُطمئنةً نفس المحتسب غير كارهةٍ لما نزل بها من البلاء.
وقال ابن الأثير: الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات البِدار إلى
طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها
على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها.
ومن التعريفيين السابقين، يكون الاحتساب ثلاثة أنواع هي:
1ـ احتساب الأجر من الله تعالى عند الصبر على المكاره، وخاصة فقد الأبناء إذا كانوا كباراً.
2ـ احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطاعات يُبتغى به وجهه الكريم كما في صوم رمضان إيماناً واحتساباً، وكذا في سائر الطاعات.
3ـ
احتساب المولى ـ عز وجل ـ ناصراً ومعيناً للعبد عند تعرضه لأنواع الابتلاء
من نحو منع عطاء أو خوف وقوع ضرر، ومعنى الاحتساب في هذا النوع الثالث
الاكتفاء بالمولى ـ عز وجل ـ ناصراً ومعيناً والرضا بما قسمه للعبد إن
قليلاً وإن كثيراً.
والأدلة عليه من الكتاب والسنة كثيرة، ومن
قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشهم فزادهم
إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}. [آل عمران: 173]. وهذه الآية في
النوع الثالث من أنواع الاحتساب.
وقوله سبحانه: {الذين إذا أصابتهم
مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة
وأولئك هم المهتدون}. [البقرة: 156، 157]. وهاتان الآيتان مما ورد في معنى
الاحتساب بالصبر على المكاره.
ومن الأدلة على الاحتساب عند الطاعات
قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك
يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}. [البقرة: 218].
والآيات والأحاديث في الاحتساب كثيرة، قد يطول المقام بحصرها..
فهذا
هو الشرط الذي يكون به العمل زاكيًا، ويكون به العمل طيبًا مباركًا: من
قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه هذا شامل لجميع
الذنوب، وجاء باللفظ الآخر عند أحمد وغيره زيادة: وما تأخر .
الذي
يقبل على العمل بإيمان واحتساب في الصيام أو في القيام أو في غيره من سائر
الأعمال الصالحة فإن في ضمنه غالبًا تكون التوبة، لكن لو أنه أجتهد وعمل
شيئا من الأعمال الصالحة ربما كان ضعيفا في باب التوبة عن بعض الأعمال، أو
بعض الذنوب التي هي كبائر.
فجنح جمع من أهل العلم إلى أنه إذا كان
له عمل عظيم صالح فإنه يكون سببًا في مغفرة هذه الذنوب، كما جاء في بعض
الأخبار وعموم بعض الأدلة الدالة على هذا المعنى.